الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة التربية الوطنية
مناهج الجيل الثاني بمنظور النوعية
مدخل
تتمحور عمليات إصلاح المدرسة الجزائرية بالمنظور البيداغوجي حول مدخلين أساسيين، هما: المناهج والكتب المدرسية.
وقد أسندت مهمّة إعداد البرامج والمناهج إلى اللجنة الوطنية للمناهج، بينما تكلّفت هيئات أخرى بالكتب المدرسية.
ويجدر التذكير بأن اللجنة الوطنية للمناهج تأسّست أوّل مرّة سنة 1998، وكانت تتشكّل من حواليّ 200 شخص بين أعضاء اللجنة وأعضاء المجموعات المتخصّصة للمواد المكلّفة بإعداد المناهج الدراسية للمراحل التعليمية الثلاث (ابتدائي، متوسّط، ثانوي). فأنشئت 23 مجموعة متخصّصة للمواد، تشكّلت من أساتذة جامعيّين وباحثين، ومن مفتّشين ومدرّسين من المراحل الثلاث وفق تخصّصات المواد الدراسية أساسا، وأيضا من تخصّصات في ميادين التقويم والتوجيه، والتربية التحضيرية، وتعليمية المواد والبيداغوجيا.
اللجنة الوطنية للمناهج وأسس المناهج
منذ 1998، بدأ طرح تساؤلات هامّة تشغل بال أعضاء اللجنة الوطنية للمناهج. تساؤلات تتعلّق بطبيعة التغيير المنشود ومحتوياته، وما ينبغي إدراجه أو اعتماده منها في تصميم المناهج المدرسية.
وامتدادا لتقرير اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية (التي نصّبت سنة 2000)، فقد كان العمل سنة 2003 يتمثّل في وضع صيغة بيداغوجية لكيان وطنيّ موحّد، علميّ وثقافي. فكان إطار التصوّر يستغلّ الرصيد التاريخي لعدّة تجارب في إصلاح المنظومات التربوية، وإشراك كلّ الفاعلين في الحقل التربوي الوطني إشراكا جدّيا وحقيقيا.
أسس المناهج
o
قيم مشتركة لكلّ أفراد المجتمع:
قيم سياسية واجتماعية، ثقافية وروحية هدفها تعزيز الوجدة الوطنية o قيم تتميّز بالفردية: وجدانية وأخلاقية، جمالية وثقافية، قيم انسانية متفتّحة على العالم.
وبالفعل، فقد أوضح القانون التوجيهي للتربية رقم 08-04 المؤرّخ في 23 يناير 2008، لا سيما في الفصل I و II من العنوان الأوّل، وفي الفصول: الثاني والثالث والرابع من العنوان الثالث مهامّ المدرسة والقيم الروحية والمواطنة من خلال: التأكيد على الشخصية الجزائرية، وتعزيز وحدة الأمّة عن طريق ترقية القيم المتعلّقة بالثلاثية: الإسلام، العروبة والأمازيغية، و مدعمة بالتكوين على المواطنة، والتفتّح على الحركات العالمية والاندماج فيها.
وقد بنت اللجنة الوطنية مناهج المرحلة الابتدائية والمرحلة المتوسّطة، بالسهر على مطابقة منتوجها للمعايير التي حدّدتها النصوص المرجعية: تقرير اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية، برنامج الحكومة لسنة 2002، والقانون التوجيهي للتربية سنة 2008.
وانتهجت في مسعاها ثلاثة سبل متزامنة لإعادة كتابة المناهج: شملت برامج سنة 2003 للتعليم الابتدائي والمتوسط وبرامج 2005 للتعليم الثانوي.
وتجسّدت هذه الوتيرة البيداغوجية من خلال إعداد الأدوات الآتية:
207 مناهج للمراحل الثلاث؛ و207 وثيقة مرافقة.
والمناهج الدراسية التي نصّبت سنة 2003/2004 تجيب عن السؤال الآتي: “ كيف نضمن في أحسن ظروف نجاح الانتقال من النموذج القديم إلى نموذج بيداغوجيّ جديد في القسم بضمان خصوصية أحدهما وتكامل الآخر؟ ” .
وينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أنّ روح هذه المناهج تطرح بصورة واضحة في فلسفتها القاعدية العلاقة الاجتماعية بكلّ تعقيداتها، والطموح المتمثّل في تزويد التلاميذ بكفاءات فكرية عالية.
تصميم المناهج المدرسية
إنّ تصميم المناهج وإنجازها تركّز على درجة التنسيق قصد ضمان الوحدة والانسجام النسقي[1]: الانسجام بين مناهج مختلف المراحل التعليمية.
وكان لزاما في بناء مضامين المناهج أن نتوخى المصممات التالية:
تحديد المعارف المهيكلة للمادّة التي تضمن الانسجام الداخلي؛
المعارف والمفاهيم والمبادئ المهيكلة للموادّ؛
درجة الانسجام العمودي للموادّ؛
تقديم وظيفي للمواد يبرز مساهمة المادّة في تحقيق الملمح الشامل.
الممارسات البيداغوجية الواردة في المنهاج تحتوي في مجملها مدخلا بالكفاءات، أيّ معارف الموادّ ومواقف ثقافية وسلوكات.
والتركيز على التمفصلات الكبرى والمنظّمة لإعادة هيكلة السلوك البيداغوجي (ممارسات صفّية: العلاقة مدرّس/ تلميذ، بين التلاميذ) يحفّز على تجاوز تعليم وتعلم يقتصر على تقديم عليه المفاهيم، ويتعدى ما يقدّم بشكل فردي (أي ما يفرضه منطق المادّة مع تغليب الحفظ والاسترجاع)، وذلك من أجل الاستثمار النشط الذي يعْبٌرُ الموادّ من خلال المنهجية والمواقف.
المقاربة النسقية (المناهجية)، في اشتقاقها البيداغوجي تهدف إلى توجيه البرامج التعليمية نحو المتلقي الوحيد، وهو التلميذ. ويرتكز هذا التوجيه على الكفاءات العرضية التي ترتكز بدوها على المحاور المشترطة (التربية الصحيّة، التربية على المواطنة، التربية على وسائل الإعلام، التربية على المحيط…) التي تتناولها عدّة مواد متفرّقة أو بوساطة بواسطة مشاريع متعدّدة المواد.
إنّها إن المقاربة النسقية تضمن الربط بين المناهج من خلال وحدة المعلومة. فهي تتحقّق أوّلا في مواد تنتظم فيما تعتبره حقلا من الموادّ، وتهدف إلى فكّ عزلة المواد وتجاوز انفصامها من أجل جعلها في خدمة المشروع التربويّ، وبالتالي، فهي تدعونا إلى إيجاد ارتباطات وقواسم مشتركة بين مناهج مختلف المواد.
إنّ تصنيف المواد في حقول يساهم في إيجاد الروابط المشتركة بين المناهج في إطار مقاربة نسقية، ويحيلنا وينقلنا إلى ميادين خاصة مخصصة هي:
ميدان نشاطات الإيقاظ وتنمية الشخصية ؛
ميدان اللغات والآداب ؛
ميدان العلوم الاجتماعية والإنسانية؛
ميدان العلوم والتكنولوجيا.
كما ينبغي أن نحافظ على الوظائف التقليدية للمدرسة وندعمها: الوظيفة النقدية، الضوابط العلمية والخلقية، التناول الاستشرافي، القدرة على التحليل/وإعادة بناء وهيكلة، ، الإشكال…
المناهج الجديدة: التركيز على القيم الجزائرية والتعلّمات الأساسية
إنّ الإطار الملائم لهذا المسعى هو مدخل يعطي الأولوية للمعارف والتحكّم في المساعي الفكرية التي تتجسّد في السلوك والمواقف الفردية والجماعية.
من المحاسن التي تتميّز بها المناهج الجديدة تلك الجوانب التي تتمثّل في اعتبار المدرسة كيانا شاملا من حيث المعارف والمهارات التي تعمل على توظيف الجانب المعرفي وتفعيل البنوية الاجتماعية (معرفة كيفية بناء الإشكال، الاستقراء والاستنتاج، التلخيص والتعميم، الخيال، النقاش، المعارضة، تسيير الصرعات، العمل الجماعي…)، إلى جانب السلوك والتصرّف، وذلك مسعى بناء الهويّة وتحقيقها باعتبارها نتاجا لمسار تاريخيّ طويل، ومفعول فرديّ وجماعيّ (مكون من مواقف وسلوكات) في حصيلة المسارات الثقافية لبلادنا.
ومناهج الجيل الثاني تركّز على القيم الجزائرية لكونها لحمة تضامن اجتماعيّ يحمله التاريخ كما تحمله الجغرافيا، والتراث الثقافي والقيم الروحية. وإلى جانب السياق الوطني لمضامين البرامج والمناهج المقبلة، فقد كان التأكيد أيضا على فك التعقيد الذي تتصف به اليوم الأمور في المجتمع والعالم أجمع، والذي يفرض تجنيدا مختلفا للمعارف المبنية على أساس مهارات فكرية عالية.
وعليه، فقد أُعِدّ برنامج وطنيّ لوضع المناهج الجديدة حيّز التطبيق منذ يناير 2015، والذي سيشمل كلّ الفاعلين المعنيين بالتدريس في المستويات الـمعنية، أي: الطور الأوّل (السنة 1 الأولى والثانية ابتدائي، والسنة الأولى متوسّط.
المرجعية العامّة للمناهج والدليل المنهجي
الإصلاح في حاجة إلى وثيقة إطار موحِّدة، تبرز أكثر توجيه أهداف المنظومة نحو إرساء هذه القيم.
هذه الوثيقة الإطار ” المرجعية العامّة للمناهج الجزائرية ” هي ثمرة نضج فكري، علمي وبيداغوجي لكفاءات وطنية. إنّها وثيقة ذات طابع تقني ومنهجي، موجِّهة لعملية تصميم المناهج وإعدادها، وتكييف الاستراتيجيات البيداغوجية.
————————————————————
“يوصي القانون التوجيهي للتربية بما يلي:- بناء مناهج تعليمية على كفاءات وجيهة، متينة ودائمة؛
– تركيز المناهج على مقاربات مبنية على مساعي التحليل والتلخيص وحلّ المشكلات؛
– تركيز التعلّمات على بناء المعارف المهيكلة؛
– ربط المناهج بالحياة الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافية للمجتمع؛
– تركيز المناهج على مقاربات تعِدّ المتعلّم للاندماج في مجتمع المعرفة، والتكيّف مع وضعيات جديدة، وتغيّراتالمجتمع والبيئة الدولية”.
[الدليل المنهجي ؛ اللجنة الوطنية للمناهج ]
———————————————————–
إنّها تترجم المحاور الكبرى للسياسة التربوية ومبادئها. إنّها مرجعية أولى ووسيلة المصادقة على المناهج في الوقت نفسه، وتمّ طبعه ونشره سنة 2009 .
وامتدادا لهذه المرجعية العامّة، أُعدّ “دليل منهجي” ، وهو وثيقة ذات طابع تقني وإطـار بيداغـوجي، توضّـح إجــراءات المرجعية العامّة وتجعلها إجرائية في إعداد المناهج.
الدليل المنهجي موجّه أساسا إلى معدّيّ المناهج، لكن، بإمكان مصمّميّ الكتب المدرسية والمدرّسين الاستفـادة منـه. فهو مصمّـم كدفـتر شـروط موجه للمجموعات المتخصّصة، يوضّح المميّزات
العامّة للمناهج (الشمولية، الانسجام، قابلية التطبيق، المقروئية، الوجاهة)، ويقدّم توجيهات لسدّ النقائص الملاحظة على مناهج الجيل الأوّل.
وقد بُني الدليل المنهجي منهجيا وبيداغوجيا على الأسس التالية:
تطبيق المقاربة بالكفاءات في إطار مقاربة البنوية الاجتماعية للتعلّمات؛
وضع الروابط المشتركة الأفقية بين المناهج في إطار مقاربة نسقية مع :
بعد المادّة لضمان الانسجام الداخلي للمنهاج،
ضرورة توحيد الشرطين الأساسيين للمنهاج، ألا وهما: البعد النسقي الذي ينبغي أن تتوجّه إليه كلّ المناهج بتحقيق التحوّل، والإدماج بين الموادّ.
الخاتمة
إنّ تنظيم أطر تصميم المناهج المدرسية الجزائرية، منذ ما يقارب خمس عشرة سنة، في شكل أجهزة مكلّفة بإعداد المناهج بعنوان : المجموعات المتخصّصة للمواد التي تضمّ أكثر من 200 مصمّم للمناهج (من مفتّشين، جامعيّين، مدرّسين، رؤساء مؤسّسات)تحت قيادة اللجنة الوطنية للمناهج، قد مكّنت (على مستوى الهيئة التربوية) من تحقيق تقدّم معتبر، أهم ما فيه :
تثمين التجربة الوطنية في مجال تصميم المناهج ؛
تحقيق إرادة وضع سياق للأجهزة التعليمية (didactiques) والبيداغوجية الوطنية في مجال تصميم البرامج والمناهج المدرسية.
ولا يتعلق الأمر في الحقيقة بالنقل الآلي لنماذج أثبتت نجاعتها في بلاد عديدة، بل يلتزم بالعمل على التجذّر المجتمعي، وفق خطوات حقيقية إدارية وبيداغوجية، من بيئة مؤسّساتية، وربط نظام أهداف بالوسائل التي تمكّن من تحقيقها بفضل الاقتباس من العناصر التقليدية، والموروث المعرفي الوطني، وعالمية المعارف.
التكوين والممارسات البيداغوجية الجديدة
وضعت اللجنة الوطنية للمناهج منذ بداية سنة 2015 مخطّطا وطنيا للتكوين في ثلاث مراحل موجّها للمفتّشين المكلّفين بتبليغ هذه المضامين التكوينية على مستوى مقاطعات الولاية. والهدف النهائي من ذلك هو : أن يستفيد ويزود كلّ المدرّسين والإداريين المعنيّين بمقاصد التحوير البيداغوجي للتكوين قبل الدخول المدرسي في سبتمبر2016.
وستمنح الأولوية لمدرّسيّ الطور الأوّل الابتدائي (السنة 1 والسنة 2)، و كذا الطور الأوّل المتوسّط (السنة الأولى) و رؤساء المؤسّسات الابتدائية والمتوسّطة.
وبالتوازي مع ذلك، انطلقت عمليات تكوينية موضوعاتية متخصّصة نذكر من بينها ما يتعلق بتعليمية الرياضيات في التعليم الابتدائي، تقويم المكتسبات المدرسية، بيداغوجية الخطإ، تركيب مختارات أدبية مدرسية (العربية، الأمازيغية، الفرنسية)، الوساطة في المحيط المدرسي، التربية التحضيرية، قيادة المؤسّسات التربوية، إشراك المواد في المناهج الجديدة، المشروع الولائي، التعلّم، تصميم الكتب المدرسية، المقروئية والمطالعة في العالم العربي، المسرح المدرسي، …
[1] . يرتبط المنهاج بالمؤسّسة. “إنّه مخطّط تعلمي يشمل المضامين والطرائق والوسائل التعلّمية ، ووسائل التقييم ” (Depoyer 2005)
ويجري هذا المخطّط في الزّمن، ويركّز على المتعلّم. لذا يمكن أن نقول أنّ المناهج تحدّد تعلّماتها وفق الغايات التربوية والأهداف التعلّمية . إنّها تصف إمكانيات التي تمكّن من تحقيق هذه الأهداف وفق المساعي والمواقف المنتظرة من المتعلّم . ويعرّف المنهاج على ثلاث درجات: كلّي macro (سياسة تروية )؛ وسطي ( تسيير التربية)، وجزئي (المستوى التقني).