النشاط المسرحي وأهميته
يعدّ النشاط المسرحي واحداً من أهم البرامج والفعاليات التي تمكّن الطالب في مرحلتي المتوسطة والثانوية من التعبير عن طموحاته وآماله وتعينه على إكتشاف قدراته وتنميتها، ولا غرابة في ذلك فالمسرح، هو فن يشرك جميع الحواس في عملية التلقي وينمّي ويصقل الجانب الجمالي في ذائقة الفرد والجماعة، لكن هذه الأهداف السامية والجمالية التي يمكن أن تحققها التربية المسرحية، هي في الواقع جملة من الرؤى والطروحات التي لانرى لها وجوداً على أرض الواقع في مدارسنا، وقراءة سريعة لواقع مدارسنا تكشف واقع الحال المتردي وتظهر لنا الجهل الواضح والفاضح في أوساط التربية والتعليم بهذا الفن وأولياته
فضلاً عن النظرة القاصرة والمتخلفة التي كان ومايزال البعض ينظر بها إلى الفنون بشكل عام والمسرح خصوصاً، فالمسرح حين يدرج كمنهج أو فقرة داخل منهج، فهو علم قائم قبل أن يكون هواية، والإبداع فيه ليس متاحاً لمن لايملك هذا العلم ويلمّ بجوانبه، كما إن المسرح رغم الجمال والإقناع الذي يشعر بهما الممارس له فهو متعب حد الإرهاق إبتداء من التحضير والتهيئة مروراً بالتمارين والتدريبات وصولاً إلى مستلزمات العرض ومتطلباته، ومالم تجتمع تلك العوامل وتحضر بقوة فلن يجد هذا النشاط الرضا من الطالب نفسه ومن المتلقي، كما إن لإختيار الموضوع والقصة والحبكة الدرامية أثره المباشر في تنمية قدرات الطالب الذهنية والفكرية، وما يجعلني أشفق كثيراً على القائمين بهذه الأنشطة، هو عدم توفر الإمكانات المادية البسيطة للنهوض بها ، لذا يلجأ المعلم أو المدرس إلى البعد أو النفور من الأنشطة المسرحية حتى وإن كانت موضوعة ضمن المنهج، ويسلك طريقاً يكون من خلاله قادراً على ممارسة دوره كمعلم وإيصال المعلومات لطلابه بطريقة قد تكون نظرية وغير محببّة، لكنها أسهل في التنفيذ ويعتمد الحل في طرق الإلقاء والمحاضرة لإيصال المعلومة، حلاّ ومخرجاً.
هذه المشكلة التي نعانيها لا يتحملها المعلم أو المدرس وحده، بل هي مشكلة مركبة تتداخل فيها عوامل كثيرة منها عدم وضع أسس علمية سليمة للنشاط التربوي أو المسرحي، وعدم وجود الكفاءات التي تستطيع النهوض بهذا النشاط، فضلاً عن عدم وجود الوعي الإجتماعي بضرورة وجود نوع كهذا من الأنشطة لتطور وتقدم الطالب والمجتمع على حد سواء.
ورغم إن الهيئة أو الإدارة المشرفة على المناهج تدرك تماماً متطلبات المرحلة الحالية، بدليل التغيير الكبير الذي تشهده هيكلية المناهج حتى تتوافق مع متطلبات المرحلة الراهنة، ولا أظن أن القائمين على هذا المجال وهم الأكاديميون المؤهلون بسلاح العلم والمعرفة والخبرة الكبيرة يجهلون أهمية التربية المسرحية في وقتنا الحاضر، كما إنني أمل وأتمنى أن يكونوا على مستوى من الوعي الإجتماعي والجمالي كي تترسخ متطلبات التغير، كما يجب الخروج من مأزق أحادية الفكر والنظرة وعدم تقبل الآخر وأهمية التغير عن الذات وتحقيقها، والتي أحسب أن التربية المسرحية تحقق قدراً لايمكن تجاهله للوصول إلى هذه الأهداف، وهنا يطرح السؤال الآتي: كيف نصل إلى تربية مسرحية هادفة ورصينة ونحن نفتقر إلى وجود نصوص مسرحية في جميع مفردات وزارة التربية، فضلاً عن عدم وجود مقرر شامل عن المسرح يشتمل على تأريخه، وأهميته دوره في بناء الفرد والمجتمع، وآليات عملة بوصفه أحد الفنون الجميلة، فالقائمون على المناهج التربوية لم يتركوا أمراً تقريباً إلا وقدموه بطريقة أو بأخرى عدا المسرح فهو الأمر الوحيد الذي غاب أو غيب عن خارطة مقرراتنا الدراسية،نحن نطالب بتخصيص حصتين على الأقل شهرياً تختص بالمسرح والتدريب عليه وإجراء التمارين، كون هذا النشاط يضطلع بدور كبير في التأثير الإيجابي على عطاءات الطلاب في جميع المراحل، وهو مختبر لصناعة الإنسان المتحضر والمثقف يغرس فيه روح العمل الجماعي، وكيفية الإمساك بزمام الأشياء النبيلة والهادفة، وكيفية إحترام الآخر وإ‘عطائه حقه في التعبير وكيفية تقبل الآخر مهما كان التباين في وجهات النظر أو السلوكيات، فالمسرح مجتمع صغير لخبرات صغيرة متراكمة تكبر مع الزمن والممارسة والرقي التعليمي والنفسي للطالب.
وهذا هو ما نحتاج إليه وهذا ما أرى أنه سيسهم في تهيئة أجيال تقومّ مستقبلنا بإستثمار المسرح بوصفه أحد العوامل المهمة في تنمية الحوار الإجتماعي الهادف، أما بناء المسرح المدرسي بشكله الحالي فيجعلنا لا نبحر كثيراً مع مراكب الأماني نحو الوصول الى شاطئ التربية المسرحية وأماني صناعة جيل مسرحي تبدو صعبة جداً حالياً في ظل عدم الشعور بأهمية المسرح.