التقويم و دوره في عملية التعليم و التعلم
سنتناول في هذه المداخلة1 مسألة التقويم الدراسي. و ذلك للأهمية التي يحظى بها هذا الموضوع في العملية التعليمية. فبعد أن كان دور المدرس ينحصر في تدريس المقرر الدراسي و القيام بعملية تقييم لمدى استيعاب المتعلم للمادة الدراسية و التي يقرر من خلالها نجاح الطالب أو رسوبه، أصبح المدرس اليوم يلعب دورا أكثر فعالية في سبيل نجاح العملية التعليمية و ذلك بقيامه بعملية التقويم التربوي. فرغبتنا في تناول هذا الموضوع ترتكز على المبدأ القائل: إن كل مشروع أو برنامج تعليمي ناجح ترافقه بالضرورة عملية تقويم من مرحلة التفكير في البرنامج إلى مرحلة الإنجاز.
يمكن أن يشكل كل عنصر من العملية التعليمية موضوعا لعملية التقويم. على سبيل المثال، يمكن أن نذكر:
– مدى جودة عملية التعليم: و نعني بذلك الاستراتيجية المتبعة من قبل المدرس أثناء قيامه بالتدريس.
– مدى إعداد و تأهيل المدرسين: و نعني بذلك مدى تطابق الإعداد الذي تلقاه المعلم مع ما يجب أن يكون عليه للقيام بدوره الفاعل في العملية التعليمية.
– البرنامج التعليمي: و نقصد بذلك درجة التناسب و التوافق بين محتوى البرنامج الدراسي و الأهداف التعليمية التي يرمي إلى بلوغها.
– الظروف التي تجري فيها العملية التعليمية: إن الظروف التي تجري فيها العملية التعليمية يمكن أن تلعب دورا إيجابيا أو سلبيا في نجاحها.
1- من عملية التقييم إلى عملية التقويم :
تهدف عملية التقييم عادة إلى تقدير المستوى الذي بلغه المتعلم في نهاية العملية التعليمية لإعطائه درجة، و بناء عليها تحدد نتيجة الطالب من حيث النجاح أو الرسوب. و تجرى عملية التقييم في مراحل مختلفة من العملية التعليمية و تكون عادة كالتالي :
أ – الاختبارات اليومية أو المستمرة: يطبق هذا النوع من التقييم بعد كل حصة أو مجموعة حصص تعليمية.
ب – الاختبارات الجزئية : يطبق هذا النوع من التقييم في مواعيد محددة من السنة الدراسية (عادة ما يكون ذلك بعد الانتهاء من تدريس جزء مهم من المقرر الدراسي).
ج – الاختبارات النهائية : يكون موعدها عادة في نهاية السنة الدراسية.
من الممكن القول في هذا الخصوص أن هذه الأنواع الثلاثة من الاختبارات تدخل في إطار ما يسمى بالتقييم التجميعي أي أنها ترتكز على مجموع الدرجات التي تحصل عليها الطالب في مختلف الاختبارات.
لقد تناولت دونيز لوسيي Denise Lussier في كتابها المعنون: “تقييم عملية التعلم في إطار طريقة التدريس الاتصالية2 “ هذا الموضوع بالدراسة قائلة: « تهدف عملية التقييم التجميعي إلى التحقق من درجة تمكن الطالب من الأهداف التعليمية التي نرمي إلى بلوغها من خلال المنهج الدراسي و بالتالي إلى إصدار حكم يتعلق بالانتقال من مستوى تعليمي معين إلى مستوى آخر و التأكد كذلك من نوعية التعلم المنجز من قبل المتعلمين في مختلف المستويات التعليمية»3 .
يحتوي هذا الاقتباس على الأفكار التالية :
– التأكد من عملية التعلم من حيث النوعية.
– إصدار أحكام بخصوص الانتقال من مستوى تعليمي إلى مستوى تعليمي آخر.
– يتوافق التطبيق لهذا النوع من التقييم ( التجميعي ) مع الدور الذي يلعبه المدرس في إطار الرؤية التقليدية لعملية التعليم التي يلعب فيها المدرس دور المرسل للمعلومات. و يكمن دور الطالب – حسب هذه الرؤية – في استقبال المعلومات و حفظها عن ظهر قلب لغرض استظهارها يوم الاختبار.
يشهد ميدان التعليم – اليوم – تطورا على مستوى دور المدرس في العملية التعليمية، حيث انتقل دوره من مرسل للمعلومات – كما قلنا سابقا – إلى مسهل لعملية التعلم، حيث أن الدور الجديد الذي يلعبه المدرس في هذه العملية يتضمن ما نسميه عملية التقويم و الذي من أهم خصائصه تركيزه على تحسين مستوى المتعلم بتصحيح أخطائه.
تتجه عملية التقويم – كما تقول دونيز لوسي Denise Lussier « نحو المساعدة التربوية الفورية للمتعلم حيث إنها تهدف إلى إبلاغه بمستوى إنجازه لكل هدف من الأهداف التعليمية ».
كما لاحظتم ، يحتوي هذا الاقتباس على الفكرة الجوهرية التالية :
– المساعدة التربوية للمتعلم و ذلك بإبلاغه مدى تمكنه من تحقيق الأهداف التعليمية.
2- أنواع عملية التقويم و مراحلها :
كما سبق و أن عرفنا عملية التقييم و قلنا بأنها ترتكز على مجموع الدرجات التي يحصل عليها المتعلم في مختلف الاختبارات التي أجراها خلال السنة الدراسية و التي تسمى: الاختبارات اليومية و الاختبارات النصفية و الاختبارات النهائية، فعملية التقويم تطبق أيضا في مراحل مختلفة من العملية التعليمية و هي كالتالي – كما تقول دونيو لوسيي Denise Lussier – :
أ- قبل البدء في عملية التعلم:
«إن الهدف من عملية التقويم في هذه المرحلة هو معرفة ما إذا كان المتعلمون يمتلكون المعلومات و المهارات التي لها علاقة بالبرنامج التعليمي المقترح تدريسه. إن إجراء عملية التقويم في هذه المرحلة من العملية التعليمية يكتسب أهمية حيث إنها ضرورية إذا ما أردنا التحقق من مطابقة البرنامج التعليمي لمستوى المتعلمين4 ».
تسمى عملية التقويم التي تجرى في بداية العملية التعليمية بعملية التقويم التشخيصي. وقد تحدث فيليب ميريو Meirieu Philippe في كتابه المعنون ” أعلم نعم … و لكن كيف “ عن تلك المعلومات و المهارات و التي يسميها بالمهارات و المهارات الجاهزة و الموجودة مسبقا لدى المتعلم عند انطلاق العملية التعليمية قائلا : « إن الشيء المحدد لنتائج العملية التعليمية هو – و بشكل متناقض – المعلومات و المهارات الموجودة سلفا لدى المتعلم و بالتحديد نقاط الارتكاز التي تلعب دورا مفصليا في عملية التعلم من خلال النشاط الذهني الذي يقوم به المتعلم و ذلك لاكتساب المعلومات و المهارات الجديدة ». يضيف فيليب ميريو نقلا عن دافيد بول أوسيبيل و كلود ج. روبنسن– للإشارة إلى أهمية امتلاك المعلومات و المهارات الأولية بل و على جاهزيتها لاستعمالها عند بدء العملية التعليمية – قائلا: «إن العامل الأكثر تأثيرا في عملية التعلم هو نوعية المعلومات الأولية التي يمتلكها المتعلم و درجة وضوحها و مدى تنظيمها عند انطلاق العملية التعليمية5»، و يضيف قائلا: «على الطالب، للقيام بعملية تعلم، أن يمتلك المعارف الأولية التي هي على شكل معلومات و مهارات و استعمالها من خلال استراتيجية معينة6».
أما ريشال كوتي Richard L. Côté فقد ركز – من جانبه – في كتابه المعنون ب ” سيكولوجية التعليم و التعلم “ على أهمية امتلاك وجاهزية المعلومات والمهارات الأولية عند انطلاق العملية التعليمية قائلا: « إنه من المهم – قبل البدء في تدريس منهج تعليمي جديد – التأكد من امتلاك الطلبة للأفكار الجوهرية ( أفكار و مهارات ذهنية أولية ) التي ترتكز عليها الأفكار الجديدة و التأكد من جاهزيتها عند انطلاق العملية التعليمية»7.
كما لاحظتم استعمل فيليب ميربو كلمة ” يجب” لإظهار درجة أهمية عملية التقويم التشخيصي قي بدء العملية التعليمية و استعمل ريشار كوتي الكلمات : التحقق – امتلاك – التأكد – الأفكار الملائمة – الجاهزية.
يبدو أن استعمال هذه الكلمات يترجم درجة الأهمية التي يوليها هذان الباحثان لعملية التقويم التشخيصي. بناء على ذلك، يمكن أن نقول أن عملية تحديد محتوى برنامج دراسي معين يجب أن ترتكز على المستوى الفعلي للمتعلم، أي ما يعرفه المتعلم فعلا و ليس بناء على ما يجب أن يعرفه باعتباره مسجلا في مستوى تعليمي معين. بتعبير آخر أقول:
يجب أن نحدد برنامج العملية التعليمية من خلال المعلومات و المهارات التي يمتلكها المتعلمون فعلا و ليس استنادا على برنامج تعليمي تم تحديده مسبقا.
إذن، علينا أن نأخذ في الاعتبار – عند ممارستنا للتدريس – المعلومات و المهارات الأولية التي يرتكز عليها المقرر الدراسي و ذلك في مرحلة إعدادنا للدروس اليومية و التي يجب أن تحترم مبدأ التدرج في تقديم المعلومات.
نعتقد – انطلاقا من هذه المعطيات – أنه يتعين علينا أن نبدأ التدريس – إذا استطعنا أن نقول – بعملية مسح معلوماتي للمستوى الفعلي للمتعلمين و ذلك للكشف و التعرف على المعلومات و المهارات التي يمتلكونها و التي تسمح لهم بإنجاز عملية التعلم بنجاح.
و بتعبير آخر، لضمان حسن سير العملية التعليمية علينا – عند قيامنا بعملية التدريس – أن نبدأ بالتعرف على مستوى المعلومات و المهارات التي يمتلكها المتعلمون فعلا و ذلك لوضع الاستراتيجية التدريسية المناسبة.
شخصيا، أنا أقارن عمل المدرس بعمل أو بمهنة الفلاح الذي – لكي يتحصل على محصول جيد في نهاية الموسم- يجب أن يجهز الأرض قبل أن يقوم بعملية البذر. و على المدرس – إذا كان حريصا على نجاح العملية التعليمية – أن يعمل على أن يبلغ المتعلمون المستوى المطلوب من اكتساب المعلومات و المهارات قبل البدء في تدريس المقرر الجديد.
بعد أن تحدثنا عن عملية التقويم التي تجري في بداية العملية التعليمية بطريقة قد تكون مستفيضة للأهمية التي تحظى بها هذه المرحلة و التي يمكن أن تحدد طبيعة سير العملية التعليمية بل و حتى نتائجها، لنتطرق الآن إلى النوع الثاني من التقويم والذي يجري أثناء نفس عملية التعليم.
ب- أثناء عملية التعلم:
يطلق على عملية التقويم التي تجري خلال العملية التعليمية التعلمية اسم التقويم التكويني. تهدف عملية التقويم هذه – كما تقول دونيز لوسيي Denise Lussier – إلى:
«تتبع مستويات الطلبة أثناء سير العملية التعليمية و ذلك للكشف عن نقاط القوة و نقاط الضعف الموجودة لدى الطلبة و التعرف على أسبابها و استعمال أدوات التصويب المناسبة و التي تفرض نفسها و بالتالي القيام بعملية تعديل على مستوى طريقة التعليم المتبعة وفقا لطريقة سير عملية التعلم»8.
يحتوي الاقتباس الذي ذكرناه على الأفكار الآتية:
– تتبع الكيفية التي تسير عليها عملية التعلم.
– الكشف على نقاط القوة و الضعف الموجودة لدى المتعلمين.
– التعرف على أسباب الصعوبات التي يلاقيها الطلبة أثناء عملية التعلم.
– استعمال أدوات التصويب المناسبة التي تفرضها عملية التعلم.
– تعديل استراتيجية عملية التعليم وفقا للإمكانيات المتاحة.
تشير النقاط الخمس المذكورة أعلاه إلى الاستراتيجية المتبعة في التعليم عندما نطبق عملية التقويم التكويني.
إن استعمالنا لكلمة “التكويني” و التي تحتوي على فعل “كون” يضفي إلى عملية التقويم بعدا تربويا يتناسب مع الرؤية الحديثة لدور المدرس في العملية التعليمية و الذي عرفته بالمسهل لعملية التعلم. فدور المدرس اليوم انتقل من دور المرسل للمعلومات و إصدار أحكام على مدى قدرة الطالب على استظهار المعلومات في مختلف الاختبارات إلى دور المكوِّن و المسهِّل لعملية التعلم.
إن النتائج الإيجابية التي سنتوصل إليها من خلال اعتمادنا لعملية التقويم التكويني تجعلنا نقول أن تطبيق هذه العملية هو في الحقيقة ليس خيارا من ضمن مجموعة خيارات و لكن إحدى مكونات العملية التعليمية، هذا إذا كنا قلقين على نتائج العملية التعليمية أو منشغلين بها.
إننا عندما نطبق عملية التقويم التكويني نبتعد – على مستوى التفكير – عن عملية التعليم و نقترب من عملية التعلم. إن تموضعنا بجانب عملية التعلم تجعلنا نأخذ بعين الاعتبار كيفية سير هذه العملية. تعتبر هذه الطريقة في التفكير – من حيث الطبيعة – عكس ما تعودنا عليه عند قيامنا بعملية التدريس حسب النظرة التقليدية و التي على أساسها يقوم الطالب بتكييف طريقة تعلمه حسب طريقة التعليم المتبعة من قبل المدرس.
إن تموضعنا فكريا إلى جانب عملية المتعلم أيضا، يجعلنا نتكلم عن معنيين أو تعريفين لفعل “درس” و هما:
– درس بمعنى أرسل معلومات.
– درس بمعنى علم و كون.
يتطابق هذان المعنيان لكلمة “درس” مع رؤيتين مختلفتين لدور المدرس في العملية التعليمية. يتوافق التعريف الأول مع الرؤية التقليدية لدور المدرس في العملية التعليمية كمرسل للمعلومات، بينما يتطابق التعريف الثاني مع الرؤية الحديثة لدور المدرس و الذي كما- قلت سابقا – يلعب دور المسهل للعملية التعليمية. فدور المدرس – حسب التعريف الثاني – يرتكز على أخذ معلومات حول طريقة سير عملية التعلم بهدف – في حالة الضرورة – اقتراح تمارين أو أنشطة التصويب المناسبة و القيام بعملية تعديل على مستوى استراتيجية عملية التعليم.
بعض الأمثلة لطرق تعليمية تهدف إلى تسهيل عملية التعلم : القراءة
1- على مستوى التعبير الكتابي: يستطيع المدرس بعد إجراء اختبار سواء كان تقليديا ، أي يدخل في إطار عملية التقييم التجميعي، أو مجرد اختبار يهدف إلى معرفة مدى تمكن الطلبة من الأهداف التعليمية الخاصة بالبرنامج الدراسي، تخصيص حصة للقيام بعملية تصويب جماعية للأخطاء المرتكبة من قبل الطلبة. تمكن هذه الطريقة في التصحيح الطلبة من التعرف على أخطائهم. و تدفع بهم كذلك للعمل على التعرف و اكتشاف الأخطاء المرتكبة من طرف الآخرين و على نوعيتها و أخيرا تجعلهم يفكرون بل يقترحون الإجابات الصحيحة.
كما تلاحظون، فإن لهذه الطريقة في التصحيح للأخطاء بعدا تكوينيا لأنها تجعل المتعلم يتعرف على الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها. و بذلك يعمل على تجنبها فيحدث تحسن على مستوى الطالب في مجال التعبير الكتابي بفضل عملية التصويب الجماعية للأخطاء.
2- على مستوى ترجمة النصوص: يمكن رفع مستوى الطلبة في مادة الترجمة بجعلهم يقرؤون ترجمة لنصوص قام بترجمتها فصل دراسي آخر. تهدف عملية القراءة هذه إلى التعرف على الأخطاء المرتكبة لخلق نوع من الحماس داخل الفصل.
يقسم الطلبة إلى مجموعات و كل مجموعة تعين مندوبا عنها و يقوم كل طالب بقراءة صامتة للنص المترجم و ذلك للتعرف على الأخطاء بطريقة فردية، ثم يصبح العمل مع بقية أفراد المجموعة حيث يقومون باقتراح الترجمة الصحيحة. يتمثل دور المدرس في هذا التمرين في الانتقال من مجموعة إلى أخرى لتوجيه عملية النقاش في الاتجاه الصحيح و خاصة تذكيرهم بالقواعد الواجب اتباعها عند القيام بعملية الترجمة.
كما سبق و تحدثنا على الجانب التكويني في عملية التصويب الجماعية للأخطاء على المستوى الكتابي، فلعملية و مراجعة نص مترجم من طرف الغير جانب تكويني أيضا فهي:
– تسمح للطالب بالتعرف على درجة استيعابه للمحتوى الدراسي، و بالتالي على قدرته على الاستفادة من ذلك المحتوى للقيام بعملية تقييم للنص.
– ترفع عملية النقاش التي تحدث بين أفراد المجموعة الواحدة من درجة الاستيعاب للمحتوى و ذلك بالتعرف على الأخطاء التي لم يتم اكتشافها على المستوى الفردي. يلعب جانب التنافس دورا إيجابيا في هذا التمرين، حيث تحاول كل مجموعة التميز عن غيرها باكتشاف أكبر عدد من الأخطاء.
3- على مستوى تنمية استراتيجية عملية فهم النص لدى الطلبة : تتطلب عملية فهم نص مكتوبا كان أو مسموعا – بالنسبة لعدد كبير من طلبتنا – القيام بعملية شرح من قبل المدرس.
ترتكز هذه الطريقة في التفكير على الرؤية التقليدية للعملية التعليمية حيث يلعب المدرس دورا رئيسيا، و عملية فهم نص طبقا لهذه الرؤية مرتبط أولا و أخيرا بعملية الشرح. بتعبير آخر، تستند هذه الرؤية على طبيعة دور المدرس باعتباره مرسلا للمعلومات و المتعلم كمستقبل لتلك المعلومات. هذه النظرة الخاطئة للعملية التعليمية و التي لا زال يتبناها العديد من المدرسين – حالت دون قيام المتعلمين بأي مجهود شخصي لتكوين فكرة عن النص.
مع اهتمام التربويين بدور المتعلم في العملية التعليمية اليوم، أجريت كثير من البحوث في مجال ما يسمى استراتيجيات عملية التعلم إلى درجة أننا أصبحنا نتكلم عن عملية التعلم الذاتي. إن بلوغ هذه الدرجة في التعلم تدل على توصل المتعلمين إلى امتلاك الأدوات التي من شأنها أن تسمح لهم ببلوغ مستوى معين من الفهم دون مساعدة الأستاذ. فعلى سبيل المثال، عندما نعلم الطالب كيفية استعمال القاموس، يصبح قادرا على فهم معنى الكلمات الصعبة. يوضح لنا هذا المثال البسيط أنه باستطاعتنا مساعدة المتعلمين على عملية التعلم و ذلك بتمكينهم من الأدوات الذهنية المناسبة.
انطلاقا من هذه المعطيات، نستطيع أن نجعل المتعلم يكون صورة إيجابية حول نفسه تسمح له باستعمال الأدوات الذهنية التي زودناه بها أو قام – بالنسبة لبعض الطلبة – باكتشافها بنفسه و ذلك لتكوين فكرة و لو عامة عن النص أو الدرس. و بقدر ما يكون المتعلم مالكا لهذه الأدوات الذهنية بقدر ما يكون قادرا على التعلم بنفسه.
و لكن كيف نجعل المتعلم يتوصل إلى فهم النص بنفسه وتكوين فكرة عنه؟
إن الطلبة يستطيعون فعل ذلك عند إجابتهم على مجموعة من الأسئلة بعد قراءتهم للنص بطريقة صامتة. تطرقت :كرستين تجدالينت Christine Tagliante إلى هذه الأسئلة في كتابها المعنون ” دروس في تعليم اللغة”9 حتى و لو تناولت كرستين تجدالينت في هذا الكتاب موضوع العمليات الذهنية التي يقوم بها المتعلم عند قيامه بنشاط ذهني على مستوى التعبير الشفوي، أعتقد أنه بإمكاننا مساعدة المتعلمين على التوصل إلى المعنى العام للنص الكتابي و ذلك بتزويدهم بالأدوات التي يمكن أن تنمي لديهم ما نسميه مهارة أو استراتيجية فهم النص الكتابي.
ترتكز استراتيجية فهم النص المسموع ( على هيئة حوار مثلا ) بكل بساطة على الإجابة عن الأسئلة الآتية :
ج- بعد الانتهاء من تدريس جزء مهم من المقرر:
تهدف عملية التقويم في هذه المراحل كما تقول دونيس لوسيي إلى تقييم عملية التعلم بطريقة دقيقة و معرفة مدى تمكن المتعلمين من المعلومات و المهارات التي نرمي إلى بلوغها من خلال تدريسنا لهذا الجزء من المقرر. وترمي عملية التقييم هذه أيضا إلى إصدار حكم بخصوص الاستمرار في العملية التعليمية أو التوقف لإعادة شرح النقاط التي لم يتم استيعابها من قبل بعض الطلبة 10.
أستطيع القول أن الرفع من مستوى المتعلمين يمر بالضرورة عبر تبني عمليتي التقويم التشخيصي و التكويني. فعن طريقهما ننتقل من نموذج المدرس / الممتحِن إلى نموذج المدرس المكوِّن و المسهِّل للعملية التعليمية. ننتقل من نموذج المدرس المقيِّم و المعطي للدرجات إلى نموذج المدرس المقوِّم و المعالج و المعدِّل للعملية التعليمية. بتعبير آخر، تسمح عملية التقويم التكويني للمتعلم بالآتي :
– فهم أعمق لمحتوى العملية التعليمية.
– تبني استراتيجية في التعلم وفقا لأهداف العملية التعليمية.
– التعرف و استعمال المعلومات و المهارات المناسبة لنجاح عملية التعلم.
و من جهة أخرى تسمح عملية التقويم التكويني للمدرس بالآتي :
– التعرف على الصعوبات التي يلاقيها المتعلمون أثناء عملية التعلم واقتراح أنشطة تهدف إلى تجاوز تلك الصعوبات.
– تسهيل عملية التعلم و ذلك بتزويد المتعلمين بالأدوات و الاستراتيجيات التي تمكنهم من بلوغ أهداف العملية التعليمية.
– تتبع أفضل لمستويات المتعلمين أثناء قيامهم بعملية التعلم.
كما تلاحظون، فالعملية التعليمية التي ترتكز على عملية التقويم أكثر من ارتكازها على عملية التقييم تترجم الرؤية الجديدة لدور المدرس في العملية التعليمية في العصر الحالي.
انطلاقا من هذه المعطيات، يمكن أن نقول إن تبني عملية التقويم تترجم إرادة المدرس في تذليل الصعوبات التي يلاقيها المتعلمون. إن عدم تبني تلك العملية يولِّد لدى المتعلمين نوعا من التراكم على مستوى الصعوبات خلال عملية التعلم و يولد لديهم أيضا ما يسمى بالنقص أو العجز المعلوماتي الذي يؤدي بالضرورة إلى عدم قدرة المتعلمين على فهم محتوى المادة الدراسية. إن النقص أو العجز المعلوماتي هو الفرق بين المستوى الذي يتطلبه فهم محتوى منهج دراسي معين و المستوى الذي يمتلكه المتعلم. إن هذا الفرق يؤثر على درجة اشتراك المتعلمين في العملية التعليمية مما قد يؤدي بهم إلى الشعور بما نسميه الفشل الدراسي و الذي هو ليس دائما بالقدر الذي يعتقده البعض. في هذا الخصوص نقول إن الفشل الدراسي لا يمكن تفسيره دائما بعدم امتلاك الموهبة أو الذكاء في تخصص معين و لكنه يكون غالبا نتيجة لوجود نقاط ضعف قي المنظومة التربوية تحول دون بلوغ جزء من المتعلمين لأهداف العملية التعليمية.
من الملاحظ وجود علاقة وطيدة بين العجز المعلوماتي و فشل العملية التعليمية. إن نجاح هذه العملية تتطلب منا – نحن المدرسون – تطبيق ما يسمى بعملية المسح المعلوماتي و ذلك ، أولا، للتعرف على المستوى الفعلي للمتعلمين و العمل على الحد من درجة العجز المعلوماتي – إن وجد – ثانيا ، تزويد المتعلمين بالأدوات التي تمكنهم من امتلاك بل من تطبيق استراتيجيات التعلم الناجعة، و هذا لا يتأتى إلا برفع درجة الكفاءة المهنية للمدرسين.
أعتقد أنه لكي نقاوم ظاهرة الفشل الدراسي، علينا أن نركز على تأهيل المدرسين و اعتماد ما يسمى برنامج التأهيل المستمر. إنه الطريق الوحيد الذي سيمكننا من الرفع من مستوى أدائنا اليومي و بالتالي من تحسين نظامنا التعليمي. إن الشيء الذي أقترحه ليس بالجديد. في الواقع، كل الدول التي تحظى بنظام تعليمي ناجح تطبق نظام التأهيل المستمر للمدرسين.
الخاتمة:
إن نجاح العملية التعليمية يرتكز بالضرورة على تبني عمليتي التقويم التشخيصي و التكويني في العملية التعليمية. فتطبيقهما يترجم عملية الانتقال من نموذج المدرس المرسِل للمعلومات إلى نموذج المدرس المسهِّل لعملية التعلم. لذلك نقول إن هذا التبني ليس خيارا و لكن ضرورة لو كنا فعلا منشغلين بل و حريصين على إنجاح العملية التعليمية.
إن تصور دور المدرس كمسهل لعملية التعلم هو تصور قائم على جعل استراتيجية عملية التعليم ترتكز على استراتيجية عملية التعلم. إنه من عادتنا الحديث عن استراتيجية عملية التعليم بل لقد أشبع هذا الموضوع بحثا من قبل التربويين و لكن نادرا ما نتحدث عن استراتيجيات عملية التعلم وهو الشيء الذي أثر سلبا على نتائج العملية التعليمية. بتعبير آخر، فعدم الأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجية المتبعة من قبل المتعلمين لاستيعاب محتوى البرنامج الدراسي هي الخطوة الأولى نحو فشل العملية التعليمية. إن نجاح هذه العملية يتطلب منا تطبيق الطرق التعليمية الحديثة. طرق تعليمية حديثة تستلزم دورات في إطار التأهيل المستمر. فكما يعرف الجميع، يمكن هذا النوع من الدورات المدرسين من :
– تنمية كفاءاتهم المهنية.
– إعادة النظر في ممارساتهم اليومية للعملية التعليمية.
– إثراء خبراتهم المهنية والاستفادة من ذوي الخبرات الواسعة في الميدان عن طريق ورشات النقاش.
إن الرفع من مستوى التعليم بصفة عامة و اللغات بصفة خاصة في بلادنا لا يتأتى فقط عن طريق استعمال المناهج التعليمية الحديثة، و لكن بالتركيز بل بإعطاء الأسبقية لعملية رفع الكفاءة المهنية للمدرسين، وذلك من خلال جعل عملية التأهيل المستمر للمدرسين من ضمن العناصر الأساسية في المنظومة التعليمية.