جذور نزاع الصحراء الغربية
أصبح النزاع الدائر بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو (الممثل الشرعي للشعب الصحراوي) للسيطرة على إقليم الصحراء الغربية "المستعمرة الإسبانية السابقة " تشكل بين قضايا القارة الإفريقية النزاع الأطول والاهم تلك المشكلة العائدة في أصولها إلى الحقبة الاستعمارية, ولا تزال تنظر الحل النهائي من قبل الأمم المتحدة, وكان ابرز ما حققته المنظمة الأممية في مسعاها السلمي بالصحراء الغربية, تمكنها في العام 1991 من إقناع الطرفين المتحاربين البوليساريو والمملكة المغربية بوقف إطلاق النار واستمر التزامهما به قائما حتى الآن.
هذا وكانت حرب التنازع بين الاثنين قد اندلعت في العام 1975 على اثر انسحاب المستعمرين الأسبان من الصحراء الغربية ... تلك البقعة من الأرض يعتبرها المغرب جزءا لا يتجزأ من ترابه الوطني , بينما تتمسك البوليساريو حركة التحرير الوطني والممثل الشرعي والوحيد عن الشعب الصحراوي بملكيتها لها وتطالب باسم سكانها الأصليين (الصحراويين) بالاستقلال وتقرير المصير, طبقا للقرار الاممي 1514 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الرابع عشر من كانون الأول ديسمبر 1960, والقاضي بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.
ومن مفارقات القضية, أن المغرب نفسه يطالب بتطبيق ذات القرار لصالحه على الصحراء الغربية معتمدا عليه من بين حججه التاريخية في تأكيد أحقيته باسترجاع المنطقة, حيث يتضمن القرار المذكور بنداً ينص على أن المستعمرة التي كانت قبل فترة استعمارها تشكل جزءا من دولة أخرى لا يطبق عليها مبدأ تقرير المصير , إذ تلحق مباشرة بالدولة الأم ويريد المغرب تطبيق هذا البند على الصحراء الغربية .
وحول هذه النقطة يعلق السيد جوفي مدير الدراسات في المعهد الملكي للشؤون الدولية بلندن في بحث قدمه إلى كلية ((سانت انطوني)) في الرابع عشر من آذار مارس 1997 تحت عنوان (البوليساريو والصحراء الغربية) حيث قال* " إن اعتماد المغرب على القرار الاممي رقم 1514 لتبرير سيطرته على الصحراء الغربية يعني تجاهل المضمون الحقيقي لنص القرار المذكور.. حيث كان الهدف منه أن يطبق فقط على أجزاء صغيرة من الأراضي وليس على منطقة في حجم الصحراء الغربية, وان نظام الحكم الملكي المغربي قبل الاستعمار كان يعتمد في ممارسة نفوذه على فرض السيادة على الشعب وليس على الأرض, ومسألة ما إذا كان الفرد مصنفا باعتباره مغربيا في إطار هذا النظام كانت تعتمد على الولاء للسلطة المغربية وليس بالضرورة على المكان الموجود فيه وهذا يتعارض مع القانون الدولي الحديث الذي تعتمد السيادة فيه مبدأ السيطرة على الأرض ".
وهناك قضية أخرى تجرد المطالب المغربية من قيمتها في نظر القانون الدولي الذي يربط تصفية الاستعمار بمبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار, ففي قضايا تصفية الاستعمار, يأخذ القانون الدولي دائما بالحدود الترابية الموروثة عن الاستعمار ويرفض مبدأ المساس بها.
ومن سؤ حظ المملكة المغربية أن لإقليم الصحراء الغربية حدوده المرسمة استعماريا والمعترف بها دوليا, وكانت اتفاقية عام 1912 الموقعة بين فرنسا وإسبانيا قد رسمت حدود الإقليم الصحراوي - الصحراء الغربية- مع المملكة المغربية.
وكانت منظمة الوحدة الإفريقية قد تبنت هذا المبدأ وأقرته في المادة الثالثة من ميثاقها وذالك لتفادي المشاكل التي كان لها أن تنشأ عقب خروج الاستعمار الغربي من القارة السمراء.. إذ قلما تخلو دولة إفريقية من مشاكل حدودية مع جيرانها وسبب ذلك يعود إلى أن القوى الاستعمارية قد رسمت خريطة البلدان الإفريقية بفعل تقاسم المصالح فيما بينها دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات وحقوق تلك البلدان المستضعفة.
إن ترجيح الحدود التاريخية في قضية تصفية الاستعمار يقتصر على حالة وحيدة, وهي أن يتوافق مطلب الحق التاريخي مع إرادة السكان المعنيين ورغباتهم, فالقانون الدولي يغلب الحق الراهن لشعب المستعمرة في تقرير مصيره على الحق التاريخي.. ورأيه في ذالك هو أن "السكان هم الذين يقرون اليوم مصير إقليم ما, وليس الإقليمهو الذي يقرر مصير سكان ما", وفي ذالك يقول القاضي اللبناني في محكمة العدل الدولية السيد أمون "أن الحجج المتعلقة بمطالب ترابية مهما كان وزنها التاريخي, عليها أن تنحني أمام حق الشعوب في أن تعبر عن نفسها وفق القواعد التي وضعتها الأمم المتحدة"([1])
وفي هذا السياق عرف العالم العربي ثلاث حالات تمثل نموذجا واضحا لهذه القضية يمكن مقاربته والقضية الصحراوية, الحالة الأولى كانت انفصال السودان عن مصر والثانية استقلال جزر القمر عن مدغشقر وأما الثالثة فهي انسلاخ دولة الإمارات العربية المتحدة عن سلطنة عمان.([2])
ففي الحالة الأولى كان السودان يشكل بجميع أقاليمه جزءاً من الدولة المصرية منذ العام 1520 ودامت هذه التبعية طول فترة الحكم الاستعماري البريطاني على مصر والسودان. وقد اعترفت السلطات الاستعمارية بحق مصر في ملكيتها لأقاليم السودان وهو ما عبرت عنه اتفاقيتا (كر ومر) الموقعتين بين السلطات المصرية وسلطات الاستعمار البريطاني وكدليل على السيادة المزدوجة المصرية – الإنجليزية، كان العلم الوطني المصري مرفوعا فوق جميع أنحاء أقاليم السودان إلى جانب العلم البريطاني.لكن عندما أعلن عن انتهاء فترة الحماية البريطانية على مصر، ترك شأن السيادة في السودان بيد سكانه ولم يستطع المصريون فعل أي شيء سوى استنكار النيل من وحدتهم الترابية.. فقد غلب مبدأ تقرير المصير على حجج مصر القانونية الحاسمة وغير القابلة لأي جدال.
وفي عهدها الجمهوري، اعترفت الدولة المصرية بحق تقرير المصير للسودان في اتفاقية القاهرة الموقعة بين الحكومتين المصرية والبريطانية في الثاني عشر من شباط 1953.
وما حدث لمصر والسودان ،ينطبق على حالة جزر القمر ومدغشقر.. فقد كانت جزر القمر قبل خضوعها تحت السيطرة الاستعمارية الفرنسية إحدى توابع مملكة (الهوغا)- مدغشقر- خلال القرن التاسع عشر. وقد منح الفرنسيون سكان الأرخبيل حق تقرير المصير، بموجب اتفاقية (باريس)عام 1973، وهو ما أدى إلى استقلال جزر القمر في 22من كانون الأول (ديسمبر)1974، وأصبحت ذات سيادة مستقلة .
ولا يختلف كثيرا أمر سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة عن الحالتين السابقين.. إذ كانت الإمارات العربية تشكل جزءا حيا من سلطنة عمان، إلا أن الاستعمار البريطاني لدى انسحابه من منطقة الخليج العربي عام 1971، فصل ذلك الجزء نهائيا عن الوطن الأم، ليخلق منه دولة منافسة، وليضعف بالمقابل الدولة العمانية العريقة، كي يفسح المجال أيضا أمام تقوية نفوذ المملكة السعودية - حديثة العهد - في المنطقة الخليجية, وفي عام 1991, تبادلت سلطنة عمان ودولة اتحاد الإمارات العربية السفراء فيما بينهم .
وضمن هذا السياق، نجد أن المملكة المغربية ذاتها قد اعترفت باستقلال موريتانيا وكذلك تعترف باستقلال كل من الجزائر ومالي وقال الملك الحسن الثاني في تصريح له أن الصحراء الغربية إذا نالت استقلالها ستكون المملكة المغربية أول من يعترف بها.
لقد كان للملك الحسن الثاني من المهارة والذكاء, ما مكنه من فرض إرادته على مسار عملية تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية, على حساب شرائع القانون الدولي, بحيث استطاع تجميد تطبيق مبدأ تقرير المصير والاستقلال على إقليم الصحراء الغربية, عبر قيامه من بعض الإجراءات الناجحة, وكان من بينها إحالة المشكلة الصحراوية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي للبت بها, وهو بهذا التصرف قد شتت الجهود القائمة لمنح شعب الإقليم الصحراوي استقلاله, ووجه الأمر نحو وضعية جديدة أساسها تفسير وتأويل رأي المحكمة الدولية. وهنا دخلت قضية الصراع الصحراوي في متاهات اللعبة القانونية التي يجيد المغاربة التعامل معها, وقد زاد من تعقيدات المشكلة وتشعباتها طبيعة الأجوبة الفضفاضة التي أعطتها المحكمة في رأيها الاستشاري والتي قالت بعد خمسة شهور من المداولات أصدرت بعدها المحكمة رأيها الاستشاري الخاص بالصحراء الغربية والذي أفشل مناورات المغرب، ففي الإجابة على السؤال الذي مفاده "هل كانت الصحراء الغربية غداة استعمارها من قبل إسبانيا أرضا بدون سيد؟ " أجابت المحكمة بما يلي: "إن المعلومات التي قدمت للمحكمة توضح انه غداة استعمارها من طرف إسبانيا كانت الصحراء الغربية مسكونة من طرف سكان، ورغم أنهم كانوا بدواً إلا أنهم كانوا منظمين سياسيا واجتماعيا تحت سلطة مسؤولين منهم، لهم صلاحية تمثيلهم، وتوضح هذه المعلومات أيضا انه غداة استعمار الصحراء، فان إسبانيا لم تبسط نفوذها على ارض بدون سيد، ففي المرسوم الملكي الصادر في 26 ديسمبر 1984 يؤكد أن الملك الإسباني بسط حمايته على وادي الذهب بنا على اتفاقيات مع مسئولين السكان.
أما السؤال الأخير فكان "ما هي الروابط القانونية لهذا الإقليم مع المملكة المغربية والمجموعة الموريتانية" فأجابت المحكمة بمايلي: " إن الاستنتاجات التي خرجت بها المحكمة بالرجوع إلى المعاهدات الداخلية الخاصة بسيادة المملكة المغربية، وكذا المعاهدات الدولية فإنها كلها بالاتفاق، لم توضح أوجود أية رابطة قانونية في تلك المرحلة بين المملكة المغربية والصحراء الغربية، وفي نفس الوقت فان بعض ما توصلت إليه من وثائق يرى أن هناك ما يشبه رابطة بين القليل والقليل من السكان مع السلطان " وبذلك وانطلاقا من حكم محكمة لاهاي انحرف الاهتمام عن الجوهر إلى الهامش في تلك القضية .
وعلى أساس حكم المحكمة هذا, نفذ المغرب تظاهرته الشهيرة "المسيرة الخضراء" التي اكتسح من خلالها مئات الآلاف من المواطنين المغاربة غالبيتهم عسكريين في زي مدني الحدود بين مملكتهم وإقليم الصحراء الغربية , واجتاحوا العديد من المواقع الصحراوية مطالبين باستعادة الإقليم المحتل إلى وطنهم - المغرب - وبدا الأمر على أنه مطلب شعبي عارم.
وقد أفضت المسيرة الخضراء إلى توقيع اتفاقية بين الحكومتين المغربية والإسبانية عرفت باسم اتفاقية مدريد الثلاثية 14 تشرين الثاني 1975, ودخلت فيها موريتانيا كشريك مؤقت, وبمقتضى هذه الاتفاقية, تخلت إسبانيا للدولتين عن مستعمرتها الصحراوية.
ومن الناحية القانونية فان تلك الاتفاقية لا تحمل الصفة الشرعية الواضحة, باعتبار أن صلاحيات إسبانيا لا تخولها حق التصرف بأرض الإقليم على هذا النحو ولا تملك التفويض بذلك.. إذ تقتصر سلطاتها على الإدارة فقط
وقد اتخذ المغاربة اتفاقية مدريد الثلاثية كوثيقة رسمية أسسوا عليها المبرر القانوني لدخول جيشهم إلى الصحراء الغربية بقوة السلاح وهذا التصرف من قبل المغرب يعتبر في نظر القانون الدولي عملا حربيا وهو ما ينص عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم: 3314المتخذ في 14 من ديسمبر 1974.
أما البوليساريو على الطرف الآخر فلم تكن ذلك الخصم السهل الذي يمكن اعتباره خارج نطاق الحسابات, بل في مواجهتها للمغرب ظهر كند قوي تصعب هزيمته ,واستطاعت بآلية تحرُكِها المنظمة أن تقلق جيش المملكة وأن تخرج دبلوماسيتها المتألقة, وقد حققت البوليساريو نجاحات ملموسة على صعد عدة. حيث أقدمت في 27 فبراير 1976الى قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في توقيت تزامن مع خروج الاستعمار الإسباني نهائيا من المنطقة وقد أعطى هذا العمل الجبهة صفة دولية رسمية, خاصة بعدما حظيت الدولة الوليدة باعتراف عدد كبير من دول العالم فاق أكثر من ثمانيين دولة, وحصلت على عضوية تامة في منظمة الوحدة الإفريقية.
وبعد ذالك أخذت الحرب بين المغرب والبوليساريو بعدا تدميرياً خطيرا إلى أن تم إيقافها من قبل الأمم المتحدة عام 1991 .
وعلى صعيد حرب السياسة والإعلام بين الطرفين كانت الدبلوماسية المغربية قد عمدت إلى محاولة عزل واحتواء جبهة البوليساريو داخل الوسط العربي فتحركت على محورين اثنين.. الأول باتجاه الدول المحافظة والثاني نحو الدول القومية - الوحدوية - وتوجهت لكل طرف منهما بلغة تخاطب خاصة تعرف انه يرغب بها ويسعى إلى تحقيقها.. فأمام المحافظين ركز المغاربة على إظهار البوليساريو باعتبارها جماعة ثورية يسارية تسعى إلى إقامة دولة لها في الصحراء الغربية تكون قاعدة ومنطلقا للمد الشيوعي "المكروه" في المنطقة.
أما إلى القوميين العرب فقد غلبت لهجة التأثير العاطفي على الخطاب المغربي الموجه إليهم.. حيث صورت جبهة البوليساريو على أنها حركة "انفصالية" غايتها الانسلاخ عن المغرب وإنشاء كيان دولة مصطنعة فوق جزء من التراب الوطني المغربي ويأتي هذا العمل بحسب المنطق المغربي تنفيذا لمخطط استعماري تخريبي يجري عبره تفتيت وحدة أقطار الوطن العربي وتجزئتها إلى دويلات صغيرة ومتناحرة .
وقد حازت سياسة المغرب تلك على دعم ومساندة الدول العربية المحافظة لكنها فشلت مع الدول العربية القومية في تحقيق غاياتها رغم البراعة الفائقة التي أدار بها المغاربة حملتهم الاستقطابية الهادفة إلى تشويه صورة خصمهم الصحراوي, بل إن هذه الدول القومية لم تجد حرجا في الاعتراف الجمهورية الصحراوية.. وتأييد توجهاتها الاستقلالية .
هذا من جهة ومن وجهة أخرى فجبهة البوليساريو الممثل الشرعي للشعب الصحراوي ترد على الاتهام المغربي بعدم شرعية دولتها بالقول أن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية إنما تقوم على كافة الأركان القانونية الشرعية التي تقوم عليها بقية دول العالم .. فللدولة الصحراوية دستور حديث , وبنية سياسية وإدارية تمارس من خلالها سلطاتها كاملة وبمنتهى الاستقلالية من فوق ترابها الوطني "المناطق المحررة من الصحراء الغربية" وان تنظيمها الإداري والسياسي يستقطب الغالبية من أبناء الشعب الصحراوي, ولها حدود معترف بها دوليا, وكذالك تحظى الدولة الصحراوية بمكانة دولية محترمة حيث يعترف بها أكثر من ثمانين دولة تنتمي إلى مناطق جيوسياسية مختلفة ولها علاقات جيدة مع العديد من الدول حتى مع التي لا تعترف بها رسميا, كما وتتمتع الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بعضوية كاملة في منظمة الوحدة الإفريقية, وهي عضو مؤسس للاتحاد الإفريقي, وتلاقي التقدير والاحترام من كافة المنظمات والهيئات الدولية.